ليس علينا أن نثور من أجل الملبس، لأن العقول، كما هو الحال اليوم تمامًا، فارغة. الحرية التى طالب بها الكثير بعد اجتياح ظاهرة الحجاب لعواصم المحروسة، لم تكن من أجل تحرير العقول، بل كانت دائمًا من أجل التخلى عن قطعة قماش. كانت الفكرة السائدة بين من رفضوا الحجاب قديمًا هى «أن الحجاب يحجب العقل، ويذهبه للائى يرتدينه» وكأنه يمنع الهواء عن خلايا المخ فيوقفها. لا تتعجب الآن، اذ اعترفت أنا، بأننى قوبلت بهذا الهجوم من قبل امرأة خمسينية «تحسب نفسها مثقفة» من شهرين فقط، قالت لى «لماذا ترتدين هذا؟ أنا أشعر بأنّ ارتداءه يوقف العقل» الجميل فى الأمر أنها فى بادئ الحديث قد أكدت مرارًا أنها فى غاية التفتح.
التفتح والانغلاق، لا يقاسان بالشكل أبدًا، ومحاكاة ثقافة الغرب فى ملبسهم لن تجعلنا فى نفس تقدمهم العلمى الذى خاضوا من أجله معارك طيلة قرن كامل، وفى المقابل محاكاة طريقة ملبس دول تتسم بالتدين لن تزيدنا طهرًا وتقربًا للسماء. النساء فى الصورة الأولى لا يختلفن بمقدار ذرة عن نظيراتهن فى الصورة الثانية، لأن كلهن يمشين وراء ما يمليه عليه هذا الزمن أو ذاك، أّما عن العقل وتحرره فكريًا فهو أمر مستقصٍ فى كلتا الحالتين، ما دام أن الذين يحسبون علينا مثقفين لا يفكرون إلا بالظاهر، كما يفكر المتدينون بأن القماش يزيد الناس طهرًا.
ذات، بطلة رواية صنع الله إبراهيم الرائعة، كانت هى نفسها من فى الصورة الأولى، ثم هى نفسها مع مرور الوقت، والانصياع لمتطلبات الزمن، أصبح أشبه بالصورة الثانية. المشكلة تكمن فى شىء واحد، هو أننا بلا هوية، ومنعدمو الثقافة والتنوير، فلن يجدى معنا نفعًا، قماش فُصل كفساتين جميلة فوق الركبة، أو كعباءات تغطى حتى أخمص القدمين. أنا لا أكترث لما ترتديه الأنثى، لاحكم على ثقافتها، ولا أكترث لجلباب وذقن رجل كى أقيس عفّته وتدينه، إذا ذبل العقل، فقلدوا ما تشاءون من ظواهر الأمم، لأن باطنكم سيظل دائمًا أجوف.
إذا كانت نساء القرن الماضى بنفس تحضّر ملابسهن، لأنتجن لنا أجيالًا أكثر تحضرا وثقافة. وإذا كانت أجيال بناتهن اللاتى واكبن اجتياح ملابس القارة الأخرى، بنفس تديّن ملابسهن، لأنتجن لنا أجيالًا أكثر ورعًا وزهدًا وأصفى قلبا. حيث إن الأمور لا تقاس بالملابس، كما يعتقد العامة وللأسف أغلب «مثقفينا»، قد أصبحوا بلا تحضّر، ولا ثقافة ولا علم ولا ورع ولا هويّة. كل من فى الصورة، مجرد ذوات، وكل من يريدون إعادتنا لقرن ماضٍ أو ألفية مضت بحجة التقدم أو التدين جاهل.
----
التفتح والانغلاق، لا يقاسان بالشكل أبدًا، ومحاكاة ثقافة الغرب فى ملبسهم لن تجعلنا فى نفس تقدمهم العلمى الذى خاضوا من أجله معارك طيلة قرن كامل، وفى المقابل محاكاة طريقة ملبس دول تتسم بالتدين لن تزيدنا طهرًا وتقربًا للسماء
منقول من الكاتبه ريهام غريب
سافرات زي الفل
هناك من لا تردي الحجاب وافضل من مليون وحده باخلاقها وتعاملها