الفعل الثقافى حاضرًا فى علاقة هذا الشخص أو المجتمع بذاته وبالآخرين. والفعل الثقافى ليس سلوكًا حكرًا على جماعة من دون غيرها، فهو فعل إنسانى قد يُولد بعضنا به، لذلك فهو غير مرتبط بدرجة علمية أو قراءات فكرية، وإن كانت هذه المقدمات مؤثرة بلا شك على وصول الوعى إلى الفعل الثقافى. والفعل الثقافى لا يعنى إقامة الفعاليات الثقافية أو المشاركة فيها، وحضور الأمسيات الأدبية، واقتناء اللوحات النادرة وقراءة الكتب وحفظ أسماء كتابها، وغيرها من أدوات تَحضُر - دُرج على اعتبار من يقومون بها أنهم مثقفون - بل هو الفعل الذى يفضى إلى القدرة على استيعاب الآخر واختلافاته وكل خياراته.
وفعل الاستيعاب ليس بتلك السهولة التى قد يعتقد بعضهم تزييفًا بينه وبين نفسه أنه يمارسه؛ فالحقيقة أن الإنسان الطبيعى يتعامل بـ«انتقائية» مع كل ما يأتيه من الآخر، وبسبب انتقائيته تلك لا يُعرض نفسه لما يختلف مع اتجاهه وميوله، بل يتجنب ذلك، إن حدث وتعرض لشيء كهذا، عرضًا، فإنه ينتقى منه ما يريده ويتوافق معه، وحتى الآن فالأمر عادي؛ ولكن أن يتحول، بلا وعى، إلى حالة بغض أو عداء مع ما لا يتوافق معه، هنا يكمن الخطر، ويغيب الفعل الثقافى، كون رد فعل الإنسان تجاه «من» يختلف معه، يتفوق على رفضه «ما» لا يتوافق معه؛ فلا تصبح الفكرة مرفوضة «فقط»، بل يصبح صاحبها عدوًا!
المثير أنه مع ازدياد الأعداء - بالمفهوم السابق بحكم كثرة الأفكار المختلفةوالمتعارضة - يتحول المحيط المتمدن الحضارى، إلى آخر بدائى همجى. وبين استخفاف وتهميش وإقصاء أو محاربة أصحاب الرؤى المختلفة؛ يتحول عقل الإنسان المتحضر المحاط بكل أسباب المدنية، إلى عقل آخر يسكن كهفًا معتمًا تحلق فيه خفافيش العصر الحجرى. للأسف.. نتشدق نحن البشر كثيرًا بأقوال تعجبنا، فنتبناها علنًا، ونعيشها صورة نرسم ملامحها بدقة على وجوهنا، ونصطنع بعضها أفعالًا نوهم أنفسنا بأنها لنا، كاحترام الآخرين وخصوصياتهم، وقناعاتهم، وآرائهم؛ ومن دون وعى نسقط فى فخ تصديق أنفسنا.