اشكالية التاريخ

وتكمن إشكالية هذه الرؤية فى كونها استمدت معرفتها
وأفـكـارهـا وقناعاتها مـن تـاريـخ مشكوك فـى مصداقية
تسجيله نظرًا للتدخل السياسى وتوجهات الدولة الحاكمة
فى صياغته، كما حدث مع التاريخ الأموى عند تسجيله فى
عهد وسيادة الدولة العباسية، وحدث مع تعاقب كل الدول
والممالك التى كانت تسعى لتشويه صورة من سبقها، حتى
غدا الخلاف فى رصد أى ظاهرة من تاريخنا يفوق الاتفاق،
وقليلة هى الدراسات التى يمكن الاعتماد عليها فى نظرتها
الموضوعية والموثوق فيها عبر تاريخنا العربى.
وتكفى الإشـارة فى هذا السياق لتاريخ الدولة العثمانية
فى فرض سيطرتها على الوطن العربى قرابة أربعة قرون
من الزمان، والتى لم يزل التاريخ العربى مختلفًا فى وثائقه
بين إيجابية وسلبية هذا الوجود فى البلدان العربية، وتكفى
مطالعة كتب ووثائق التاريخ المدونة للوقوف على ذلك.
ويضاف إلى كل ما سبق صعوبة دراسة التاريخ الاجتماعى
عبر ذلــك جميعه لقلة مـا كتب فيه قياسً ا إلــى التاريخ
السياسى والعسكرى، وهــذه أزمــة أخــرى، إذ إن التاريخ
الاجتماعى هو المعول عليه لـقـراءة مثل هـذه التحولات
ورصد السلبيات التى تأصلت فى الكيان العربى، لكنه عند
العودة للوثائق يغيب التاريخ الاجتماعى اللهم إلا فى الأعمال
الروائية والقصصية والسينمائية والأغـانـى المعبرة عن
مراحل تاريخية بعينها، ومقالات الصحف والدوريات التى
ناقشت قضايا وعيوب المجتمع، وبخاصة فى القرن التاسع
عشر ومطلع العشرين، وغيرها من أشكال الفن والأدب التى
سجلت التاريخ الاجتماعى وليس التاريخ السياسى لشعب
من الشعوب، كما حدث فى مصر وبلاد الشام وبعض بلدان
المغرب العربى