موضوع: ثقافة الترهيب قبل الترغيب الجمعة أبريل 06, 2018 11:28 pm
نشأنا وترعرعنا فى وادينا الطيب على ثقافة الترهيب قبل الترغيب ولا يمكن لشخص ما أن يزعم بأنه يعلم السر الخفى وراء تلك الثقافة الغريبة التى لا تتسق مع الفطرة التى خلقنا عليها المولى عز وجل الذى أخبرنا مرارا وتكرارا أن رحمته وسعت كل شيء وأنه يغفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر ويعفو ويتقبل التوبة مهما يكن حجم الخطايا ومع هذا تجد الأم تنهر أولادها حتى يذاكروا خشية الرسوب وخوفا من الفشل وتحض أبنها على الطعام حتى لا يكون ضعيفا هزيلا فيمرض، والطالب يحرص على عمل الواجبات خوفا من عصا المعلم أو توبيخه فى أحسن الأحوال ، والأزواج تصيبهم حالة من الخرس عن كثير من المنغصات رعبا من فكرة الطلاق .. حتى الفروض والعبادات لابد وأن تمارس حتى لا نغضب ربنا ويعاقبنا وكمان هندخل النار !! وصولا الى الموت الذى تحول الى شبح يبث الذعر فى النفوس ويترقب كل منا دوره لينتقل الى حياة لا يعلم عنها إلا عذاب القبر ووحشته والثعبان الأقرع وبشاعته والصراط المستقيم وعذاب جهنم – والعياذ بالله – رغما عن يقيننا أننا بين يد الرحمن الرحيم!
لم يفكر أحد من شيوخنا وأهالينا ومعلمينا أن يعلمنا أهمية الصلاة لأنها موعد حب مع الله، وأن الصوم درس فى الحب للبشر والإحساس بهم والزكاة هدايا نقدمها لتعمق الحب فى نفوسنا!
وأتذكر قول العالم الجليل د.مصطفى محمود حين قال: العاقل الحكيم من دعا الله أن يهديه إليه شوقا واختيارا..لا قهرا واجبارا.. فيكون مثل السادة الأشراف لا مثل العبيد. فنحن فى أشد الحاجة لخلق الدوافع فالحياة لا تعنى أن نمتلك ثروة أو صحة أو علما إنما هى مجموعة من الدوافع التى نعيش لأجل تحقيقها وتلك الدوافع هى القادرة على شحن أرواحنا فتتحقق السعادة من خلال الرغبة واللذة والشغف والفرح. علينا أن نجدد أفكارنا حتى لا يصاب العقل بالركود والجمود و»الكمكمة» فالحياة وإن طالت قصيرة بينما الحياة الآخرة خير وأبقى وهذا يؤكد أننا نرحل من حياة لأخرى نتوق لتحقيق أهداف ودوافع أفضل فيهامن تلك التى لم تتحقق فى الدنيا. إذن فالموت ليس شبحا مخيفا كما يصوره الكثير إنما فقط يترك بداخلنا وجع الفراق على من سبقونا. وبائع الورد ذلك الشخص الشقيان بين الشقوق الضيقة وسط زحام السيارات لا يشم عبير زهوره ولكن شوك الورد يترك آثاره على كفوف يده حتى يفقد الإحساس بألمه مع مرور الوقت. لقد وصل بنا الحال أن نقلق حينما نفرط فى الضحك فتسمع المقولة الشهيرة «خير اللهم اجعله خير ربنا يستر» !! ما الذى سيحدث لو ذهب الطالب الى المدرسة حبا فى العلم ورغبة فى تغذية الدماغ، ويأكل الطفل حتى يكبر ويصبح جسمه سليما وقويا، وتوقف الأزواج عن المشاكسات وانتاج جرعات من النكد والحرص الشديد على تغيير «باسوورد» الموبايل حبا فى الآخر واحتراما له، ما الذى سيحدث لو قامت الزوجة بطهى الطعام وترتيب شئون المنزل بالحب وليس خوفا من صراخ «سى السيد» ! أن يسطر الكاتب حروفه وفقا لمعتقداته ويقينه بعيدا عن أية ضغوط أو كبت للحريات، فالحياة بلا تحرر أو حرية سجن أبدى لا يطاق مهما رغد العيش بها فهناك من يعيش من أجل الحرية وآخرون يتفاوضون حول تحسين شروط العبودية.
فالحب فى الأرض بعض من تخيلنا إن لم نجده عليها لأخترعناه .. كما قال الشاعر الراقى نزار قبانى... فالخوف والقلق لا يمنع ألم الغد ولكنه يفقدك لذة اليوم.